جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن: (الدعاء هو العبادة)، واستنبط بعض العلماءَ مصداقَ ذلك من الكتاب، من مثل قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجبْ لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين)، فصارَ المستكبرُ عن الدعاء مستكبرا على العبادة!
تمرُّ بالواحد منّا أحيانا أدعيةٌ مؤثرة، تأخذُ بمجامع الأفئدة على حين غرّة، فربما ذرفتْ لها العين ورقَّ القلب، فانكسر -من أدركه التوفيق- لما يعلم من نفسه، وتطلّع إلى عفو ربِّه ومغفرته، وهي الحالُ التي ما بلغها عبدٌ إلا دنى من ربّه أكثر، فكان أقربَ إلى التوفيق والخير، فاللهُ هو الخيرُ ومنبعه وأصله، سبحانه وتعالى..
ومعلومٌ أن أجزل الدعاء وأفضله على الإطلاق، ما كان منصوصا في كتابٍ أو سنّة، ثم ما وردَ عن بعض الملهمين من عباد الله، من الصحابة فمن بعدهم.. لكن طالما استوقفتني أدعية الأعراب التي يتناقلُها الأدباء، ليس لفصاحتها ورشاقة عبارتها فحسب، بل للطافة مراميها وحسن إشاراتها، ودلالاتها على المعاني الدفينة في النفوس، ما يجعل لها صدى يتردد في أعماق من يقف عليها متأمّلا، وكأنها مواعظُ بليغة في صيغ أدعيةٍ وابتهالات، وحقٌّ ما قال بعضهم: (إذا أردت أن تسمع الدعاء؛ فاسمعْ دعاء الأعراب)، ولذا قال الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز: (ما قوم أشبه بالسلف من الأعراب، لولا جفاءٌ فيهم)..
مما وقفتُ عليه مما رفعه الأعرابُ تضرّعا وخفية، وفيها من الشمم وعلو الهمم ما ستراه:
- (اللهم أغْنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك)..
- (اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك)..
- (اللهم إنّا أطعناك في أحب الأشياء إليك: شهادة أن لا إله إلا أنت وحدك، لا شريك لك، ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك، فاغفرْ لنا ما بين ذلك)..
- (اللهم إن ذنوبي إليك لا تضرك، وإن رحمتك إيايَّ لا تنقصك، فاغفرْ لي ما لا يضرك، وهبْ لي ما لا ينقصك)..
- رُئيَ أعرابيٌ متعلقا بأستار الكعبة، رافعا يديه إلى السماء، وهو يقول: (ربِّ، أتراك معذبنا وتوحيدك في قلوبنا، وما إخالُك تفعل! ولئن فعلتَ؛ لتجمعننا مع قومٍ طالما أبغضناهم لك!)
- (اللهم لا تكلْنا إلى أنفسنا؛ فنعجز، ولا إلى الناس؛ فنضيع)..
- وسُمع أعرابيٌ في عرفة حاجّا، يستغيثُ: (اللهم إن كنتَ لم تقبل حجي ونصبي وتعبي؛ فلا تحرمني أجر المصابِ على مصيبته، فلا أعلمُ مصيبةٍ أعظم ممن وردَ حوضك وانصرف محروما من سعة رحمتك!) هذه تصلحُ لمن أضناه الصوم..
من استوقفَه دعاءٌ فليأتِ به مشكورا مأجورا، وأقترح عند القراءة أن تنوي الدعاء متوجّها بقلبك نحوَ السماء.. الموضوع تفاعلي
مواقع النشر (المفضلة)